خلق الله الإنسان لينام بالليل ويعمل بالنهار، قال تعالى (وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً). ولكن إذا تطلب الأمر نستطيع أن نبقى مستيقظين وأن نعمل في الليل، ولكننا لا نكون بنفس الفعالية والنشاط التي نكون عليها بالنهار، حيث أن الإيقاع اليومي والنشاط الهرموني يبلغ ذروته خلال النهار. والوضع الطبيعي هو أن ينام الإنسان بالليل ويعمل بالنهار. ولكن المدنية الحديثة التي نعيشها الآن قد غيرت من نمط حياتنا ، حيث أجبرت البعض منا على العمل بالليل حيث أن بعض الخدمات المهمة تتطلب العمل على مدار الساعة. والموظفون الذين تتغير أوقات عملهم يعرفون بعمال نظام الورديات أو الشفتات، وهؤلاء قد يتعرضون لبعض الاضطرابات في النوم.
ولعل أهم مشكلتين تواجه العاملين بنظام الورديات هما صعوبة النوم خلال النهار وصعوبة الحفاظ على التركيز والنشاط خلال الليل. وقبل أن نتطرق بشيء من التفصيل لمشاكل النوم عند هذه الفئة من الناس؛ يجب أن نعرِّف الإيقاع اليومي للجسم أو الساعة الحيوية. الإيقاع اليومي هو قدرة الجسم على التحول من النوم في ساعات معينة (عادة بالليل) إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى (عادة وقت النهار). وتتحكم عدة عوامل خارجية أهمها الضوء والضجيج في المحافظة على انضباط الإيقاع اليومي للجسم أو ساعاته الحيوية، ويصاحب ذلك تغير في عدد كبير من وظائف الجسم التي قد تكون أنشط بالنهار منها بالليل.
فالموظف الذي يعمل في وردية الليل يحاول أن يعمل في الوقت الذي يطلب فيه جسمه النوم، وأن ينام في الوقت الذي يريد فيه جسمه الاستيقاظ، مما ينتج عنه عدم التناسق بين وقت النوم والاستيقاظ وحاجة الجسم العضوية.
وعندما يغير الموظف ورديته إلى وردية أخرى، فإن جسمه يحتاج إلى بعض الوقت للتكيف معع وقت العمل الجديد، وهذا الوقت يتراوح عادة من الأسبوعين إلى الثلاثة أسابيع.
تأثير عمل الورديات على النوم:
نظام الورديات يؤثر على حياتنا بعدة طرق. فالموظف الذي يعمل بالليل وينام بالنهار عادة ما ينام ساعتين إلى أربع ساعات أقل من الموظف الذي يعمل بالنهار وينام بالليل.
وهناك اختلاف كبير بين نوعية النوم بالنهار مقارنة بالليل. فالنوم بالنهار عادة ما يكون خفيفاً (قد لا يحصل الموظف على حاجته من النوم العميق) ومتقطعاً مما ينتج عنه عدم استعادة الجسم لنشاطه ومن ثم التعب والخمول والتوتر ، وفي بعض الأحيان الأرق. وهذا بدوره ينعكس على إنتاجية الموظف وتركيزه في عمله، وفي بعض الأحيان قد يسبب بعض الأعراض العضوية. فعلى سبيل المثال، إفرازات الجهاز الهضمي تتبع نظام الإيقاع اليومي، فعندما يأكل الموظف في ساعات الليل المتأخرة فإنه يملأ معدته بالأكل في الوقت الذي يكون جهازه الهضمي غير مستعداً لذلك، ويتركها خالية بالنهار وهي في قمة نشاطها وإفرازاتها الحمضية. وهذا يفسر نسبياً كثرة شكوى العاملين بالليل من الحموضة.
وموظفي الورديات يعانون من الكثير من الضغوط العائلية والاجتماعية التي يجب عليهم التكيف معها. حيث يجب عليهم العمل عندما يكون أغلب الناس نائمين والنوم عندما يكون الآخرون في أعمالهم، أو يقضون أوقاتاً ممتعة مع أقاربهم وأصدقائهم. ويشتكي هؤلاء الموظفون عادة من عدم القدرة على قضاء أوقاتاً كافية مع أبنائهم أو أصدقائهم أو حتى من ترتيب بعض الأنشطة الترفيهية.
وقد يؤثر نقص النوم عند عمال الورديات على قدرتهم على اتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى تركيز أو ردة فعل سريعة، فجميع الحوادث النووية التي حدثت هذا القرن (كانفجار تشير نوبل) حدثت في وقت متأخر في الليل، ويعتقد أن الأخطاء البشرية لعبت دوراً فيها، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل كان نقص النوم سبباً فيها كذلك؟
كيف تتكيف مع نظام الورديات:
نظام العمل بالورديات أصبح واقعاً يجب علينا التعايش معه، فهناك الطبيب الذي يجب أن يعمل بالليل، وهناك رجل الأمن وغيرهم كثير. فكيف تتكيف مع نظام الورديات؟ بصورة عامة كلما تقدم بنا السن أصبح التكيف مع نظام الورديات أكثر صعوبة. ولكن هناك استراتيجيات عامة يمكن أن تساعد العامل على الحصول على نوم أفضل.
أجواء العمل:
يجب أن ينظم نظام الوردية (أو الشفت) ليساعد العامل على النوم بصورة أفضل. ويمكن أن ينجز ذلك بحيث يتبع وقت تغيير الورديات عقارب الساعة، بمعنى إذا كان الموظف يعمل في وقت النهار فإن الوردية التالية تكون في المساء والثالثة تكون بالليل وهكذا. وهذا الاتجاه في وقت تغيير الورديات هو أكثر ملاءمة لطبيعة الإنسان ويساعد العامل على التكيف السريع مع الإيقاع اليومي الجديد.
إيجاد فترات للراحة خلال ساعات العمل قد يساعد في زيادة التركيز والاستيقاظ لدى العامل. وهذا النظام أثبت فعالية في كثير من الشركات التي تتطلب العمل على مدار الساعة.
كما أن زيادة الفترة قبل تغيير وقت الوردية قد يساعد العامل على التكيف مع الوردية الجديدة، بمعنى أن تغيير وقت الوردية كل ثلاثة أسابيع أفضل من تغييرها كل أسبوع.
ويجب أن يساعد جو العمل على تنشيط الموظف وزيادة وعيه الحسي، فالإضاءة يجب أن تكون جيدة وقوية، والحرارة يجب أن تكون مناسبة علماً بأن الجو الدافئ يؤدي إلى الخمول. بعض العاملين يحب تناول المشروبات المحتوية على الكافيين لزيادة نشاطهم، ولا أرى أي مانع من تناول هذه المشروبات كالقهوة مثلاً بشرط أن لا يتم تناولها قبل وقت النوم بثلاث إلى أربع ساعات، لأنها قد تزيد من مشكلة الأرق عند الموظف.
أجواء المنزل:
يجب على عمال الورديات البدء في تعديل وقت نومهم عند اقتراب انتهاء فترة الوردية الحالية للتكيف مع فترة الوردية القادمة. ففي الأيام الأخيرة من الوردية الحالية يبدأ الموظف في تغيير مواعيد نومه تدريجياً للتكيف مع الفترة الجديدة، فعلى سبيل المثال، إذا كانت ورديتك الحالية في النهار والقادمة في المساء، حاول تأخير نومك ساعة إلى ساعتين كل يوم ومن ثم وقت استيقاظك إن أمكن حتى يساعدك على التكييف مع وقت النوم الجديد.
إذا كانت ورديتك بالليل ونومك بالنهار، حاول أن تخلق جو الليل في غرفة نومك، بمعنى أن تجعلها مظلمة وهادئة بدون أي ضوضاء. وقد يكون من الصعب القضاء على الضوضاء في وقت النهار، وللتغلب على ذلك يمكن استخدام ما يعرف بالضوضاء البيضاء، وهي أن يكون في الخلفية الصوتية صوت ثابت الشدة ومتواصل، كصوت مروحة أو مكيف الهواء. كما يمكن استخدام المذياع بجعل مؤشر القنوات في نهاية أحد طرفي القنوات بحيث يصدر صوتاً ثابتاً ومتواصلاً يمكن التحكم في شدته. وهذا الصوت تتعود عليه الأذن وهو في نفس الوقت يغطي على الأصوات الأخرى التي قد تؤثر على النوم.
ويجب على عامل الورديات أن يلتزم بنظام النوم والاستيقاظ الخاص بورديته بقدر الإمكان حتى في عطلة نهاية الأسبوع. ويحاول أن يجد وقت محدد لقضاءه مع عائلته وأقاربه بدون أن يحدث تغييراً كبيراً في نظام نومه واستيقاظه.
ويجب أن يعرف القارئ أن تغيير نظام النوم خلال عطلة نهاية الأسبوع تحت ضغوط الالتزامات الاجتماعية يؤثر على نوم الموظف خلال الأسبوع الذي يليه.
والموظفون الذين يعملون في وظائف تتطلب منهم الاستيقاظ المتكرر خلال الليل كالأطباء قد يستفيدون من فترات نوم قصيرة خلال النهار.
الحبوب المنومة:
لا يوجد دليل علمي على أن استخدام الحبوب المنومة لإدخال النوم على الموظف بالنهار يحسّن من الوعي أو التركيز أو الإنتاجية خلال ساعات العمل بالليل. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الحبوب لها آثار جانبية وبعضها ومع طول الاستخدام قد يسبب الإدمان، أضف إلى ذلك أن هذه الحبوب لا تحل سبب المشكلة وهو عمل الورديات وأنا شخصياً لا أنصح عمال الورديات باستخدام هذه الحبوب بدون استشارة طبية.
عادات الأكل:
يؤثر الطعام على نوم الإنسان، فعلى عمال الورديات أن يأكلوا الوجبات الغنية بالبروتين والكربوهيدرات والابتعاد على الوجبات الدهنية والمقلية ولا ينصح القارئ بالذهاب للنوم عندما يكون جائعاً أو بعد وجبة ثقيلة.
أ.د. أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مديرمركزتشخيص وعلاج اضطرابات النوم بمستشفى الملك خالدالجامعي