المدير القوس :
يبدو رجل برج القوس أول وهلة إنساناً غريب الأطوار لا يُشبه غيره من رجال الأعمال المعروفين، وكثيراً ما يتساءل المحيطون به إن كان في تصرفاته ما يستحق الضحك أو الغضب، وفيما يعتقده البعض ساذجاً قليل الفطنة يُؤكد البعض الآخر أنه من النوابغ، لكنه في الواقع خلاف الاثـنين لكونه ذكياً من ناحية و" دون كيشوتياً" من ناحية أخرى، على كل حال إذا لم يتركه موظفوه بعد مضي أسبوع على عملهم معه هناك احتمال قوي بأن يلازموه وقتاً طويلا ً.
يرفع هذا الإنسان لواء الصراحة عالياً في جميع أعماله ومواقفه، فهو يطري العاملين معه بالسهولة نفسها التي ينتـقد بها أخطاءهم، إن هذا الاندفاع من قبله يجعل أصحاب الكفاءة يستبشرون خيراً، لكن قد تمضي الأيام والشهور دون أن يُحقق لهم شيئاً على الرغم من الوعود التي يقطعها على نفسه، والواقع أن ذاكرته ليست ضعيفة بالنسبة إلى الوعود وحسب بل أيضاً بالنسبة إلى المواعيد وذلك بسبب انشغاله بالسفر والتنقل والرياضة ومختلف الهوايات ممّا لا يترك له مجال الاهتمام بحذافير العمل ومشاكل العاملين معه.
إنّ أقرب اللغات إلى عقله لغة المنطق، فإذا تسنـّى لموظفيه التـفاهم معه بواسطتها أصبح مرحاً سعيداً وسخياً في إعطاء الإجازات والمنح وسواها، بالمقابل يُسيئه جداً أن ينكر الناس حسناته وأن يتمسكوا بسيئاته حتى لو كانت بمنتهى الوضوح، ولا يعني ذلك أنه يدعو إلى الرياء والكذب، فهو أبعد الناس عن هاتين الصفتين وأكثرهم تمسكاً بالحقيقة مهما كانت مؤلمة، وهو على الرغم من خشونته يتحلــّى بروح ديموقراطية دمثة تـُكسب له الأصدقاء من جميع الفئات والطبقات.
بالإضافة إلى جموع الأصحاب يُحيط رجل برج القوس نفسه بأشياء كثيرة ممتعة منها الطعام الجيد والشراب الفاخر والحيوانات الأليفة وحقائب السفر الجاهزة والأضواء الساطعة والأفكار الخلاقـة والأهداف السامية، أما الأشياء التي يضع بينه وبينها المسافات الشاسعة فهي الظلم والقسوة والرياء والحقد والأنانية، وهو يبدو في الظاهر قليل التـفكير والإدراك لكن من يعرفه حق المعرفة يعلم أن عنده حدساً قوياً، ما عدا في الحبّ، يخرج بفضله من الأزمات سالماً، ومع أنه يُهمل بعض الأمور الهامشية إلا أنـّه لا ينسى أبداً أهم الوقائع والأرقام المتعلقة بصميم عمله، وعلى الرغم من طيبته التي لا تـُنكر يظل صاحب طموح واستـقلال وفردية تقرب من حبّ الذات، كثيراً ما يتساءل العاملون معه عن حقيقة أمره دون أن يصلوا إلى جواب، وكل ما يعملونه بالتأكيد هو أن العمل معه أمر في غاية الإثارة والتـشويق.
الموظف القوس :
يعتبر وجوده في المؤسسات والشركات مُتعة وسلوى لسائر الموظفين والمستخدمين على الرغم من حدة لسانه وارتباك حركاته وفضوله الذي لا يكف عن طرح الأسئلة، إذا طـُلب من معارفه أن يُلخصوا صفاته بكلمات قليلة أجابوا أنـّه مثال الرجل المرح المتـفائل الذي يعيش ليومه ويُؤمن بحظه لكلّ يوم.
يبدو الموظف المولود في برج القوس إنساناً خجولا ً سطحياً طائشاً ومُعرضاً للعثرات الجسدية والفكرية، ذلك هو ظاهره، أما باطنه الذي يرعاه كوكب "المشتري" فهو على نقيض تام، إذ كيف يكون سطحياً وهو على هذا المقدار من الحدس والمنطق السليم ؟ وكيف يُتهم بالخجل وهو الذي لا يتورع عن انتـقاد زملائه ورؤسائه إذا بدرت منهم الأخطاء ؟ وهل من داع إلى التحدّث عن عثراته في الوقت الذي يسانده فيه الحظ إلى هذا الحدّ ؟ من هو إذاً بالضبط ؟
الموظف الذي ينتمي إلى برج القوس إنسان مندفع يُسرع في العمل ويُـتقنه أكثر من سواه، وهو يفخر بمزاياه دون أدنى ارتباك، ويثق بنفسه كل الثـقة، ولا يكذب ولا يُخادع ولا يحقد، ولكنه يجرح بعدم لباقته ويُـثير الحنق بطرحه العديد من الأسئلة وبمحاولته لفت الانتباه، إنه يكره الجمود، ويهوى السفر والتـنقل، ويرجو من رؤسائه أن يُرسلوه من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى بلد، إن حبه للأسفار يجعله ينجح في دور البائع المتجول وإن كان مُعرضاً لبعض الأخطاء بسبب تسرعه واندفاعه.
يهتم الموظف المنتمي إلى برج القوس بدخله الخاص أكثر من اهتمامه بمستـقبل الشركة التي يعمل لها، لهذا السبب يرفض الوعود مهما كانت مُـغرية، ويتمسك بالتقدير الآني مهما كان تافهاً، حبه للمال لا يعني أنه ينظر إليه كمجرد غاية لا أكثر، إنه في نظره الوسيلة إلى العيش الكريم والمستوى اللائق، وبما أنه كريم بطبعه يكره البخل في الناس بوجه عام وفي رب عمله بوجه خاص، إذا عامله هذا الأخير معاملة الشحيح تركه غير نادم، الأمر الثاني الذي يدفع به إلى ترك العمل دون تردد هو التعرض إلى أخلاقـه واتهامه بالكذب أو قلة الشرف، مع العلم بأنه طيب القلب ينسى الإساءة بسرعة وخصوصاً متى استطاع أن يرُدّ عليها بعنفه وحدة لسانه المعروفين.
إذا شعر رب العمل بحاجة ماسة إلى طرد هذا الموظف في بعض الأحيان من الأفضل أن يكبح جماح غضبه وأن يُعيد النظر فيه بكل صدق وموضوعية، وسوف يكتـشف عندئذٍ أن له من المزايا أضعاف ما له من السيئات، تبقى صراحته التي تـُحتمل، وهذه الصفة بالذات تـتطلب من رئيسه روحاً رياضية ممتازة .